أنا وماجدة الرومي بيننا 1 كلم

 

في مقدمة مسلسل black bird المثير، كان هنالك نص جميل يحكي عن ترابط أحداث الناس في هذا العالم ببعضها البعض دون أن نشعر، بطل المسلسل يعيش حياة مترفة بشيكاغو ومرتبط بشكل جذري بمراهقة تقلب حياته رأساً على عقب تسير بدراجتها في إحدى غابات إنديانا .

أعادتني هذه المقدمة إلى الوراء – ليس قليلاً – وأنا طالب أدرس في الصف الثاني ثانوي للتو بدأت في قيادة السيارة، وسيارتي المتواضعة في ذلك الوقت لم تكن تتضمن سوى مسجل كاسيت قديم ودون أن أملك أي ميزانية لشراء أي ألبومات غنائية إلا ما أتحصل عليه من صديق أو من هنا و هناك.

قد تضحك وأنت تقرأ هذه الأسطر وأمامك ملايين الأغاني في يوتيوب وساوند كلاود، لكني في تلك الفترة أفرح بالكاسيت الذي يبقى في درج سيارتي لأشهر، وأعيد سماعه عشرات المرات لأن سيارتي المتواضعة لا تلتقط إشارة إذاعة الإف إم (الوحيدة)، لدرجة أني حتى الآن ورغم مرور هذه السنوات أعرف أن أغنية جمر الوداع لعبدالكريم عبدالقادر كانت مقدمة لألبوم ظماي إنت ، وأغنية وشلون مغليك هي الأغنية الأخيرة في الوجه الثاني من ألبوم آمر تدلل لخالد عبدالرحمن .

أسوق هذه المقدمة مرة أخرى وأنا أربط سيدة لبنانية ولدت في مدينة صور منتصف الخمسينات، بمراهق سعودي يقود سيارته (الكراسيدا) ينتقل من منزل أهله بحي النخيل في شمال الرياض إلى مدرسته الثانوية بحي الورود، يستمع إلى صوتها صباح كل يوم في (كلمات ) نزار قباني، ويتحمس مع أغاني محمود درويش ، وغيرهم من كتّاب الفصحى الذين تغنت بصوتهم ماجدة الرومي وصدحت بأجمل ماكتبوا.

لا أدعي الآن بأني مثقف أو ضليع في اللغة العربية، حتى ولو تخصصت في دراسة اللغة العربية بالجامعة، لكن من المؤكد أن لصوت ماجدة الرومي وارتباطها اللغوي والثقافي في ذاكرتي دور كبير في تغيير توجهي نحو حب الكتابة والميل للفصحى في تلك الفترة من حياتي والتي تشكلت شيئاً فشيئاً لأن تكون الكتابة والمحتوى مصدر رزقي الذي نميت به حياتي حتى انتصفت الآن في الأربعينات.

ماجدة الرومي وحبي للأغاني الفصيحة كانت مدخلاً لا نهائياً من الطرب العربي .. نحو كاظم الساهر وحقبته الذهبية في التسعينات، ولطفي بوشناق وختامها بالوصول إلى قمة الطرب بسماع الأغاني الفصيحة لسيدة الغناء العربي أم كلثوم ، وقد تبتسم بأني في تلك الفترة حاولت بأن أكتب الشعر الفصيح وأحلم ليلاً بأن أرى كلمات تغنى، والحمدلله أن الأمر بقي في إطار الحلم لشاعر فاشل.

أقول في نفسي في كثير من الأحيان، هل غيرت ماجد الرومي حياتي نحو الكتابة الفصيحة في ذلك الوقت من عمري، ولو لم أحصل على كاسيت كلمات الذي لم يغادر مسجل سيارتي ، هل سأواصل الميل نحو الكتابة الفصيحة والتحول الكبير نحو العمل الصحافي ثم الإعلامي لاحقاً ، هذه التفاصيل البسيطة من حياتنا ولو كانت – هدية كاسيت – هل يمكنها أن ترسم مستقبلنا دون أن نشعر ؟

أكتب هذه الكلمات وماجد الرومي ستكون في الرياض الأسبوع المقبل لتحي حفلاً تنظمه وزارة الثقافة السعودية .. وهذا الحفل يبعد عن بيتي كيلو متر واحد .

 

تحديث: حضرت الحفلة 🤩

admin

View Comments

Share
Published by
admin

Recent Posts

كيف أنقشع من الماضي 🫣

ذكرت في تدوينة سابقة بأن التغيّر الوحيد الذي لحظته على نفسي عقب تجاوز سن الخامسة…

10 أشهر ago

مرحباً 2024

ربما لا تعلم وأنت تقرأ أسطري هذه، بأني أمضيت هنا وسط هذه الصفحات الإلكترونية بالمدونة،…

12 شهر ago

غريب .. شخصية الصوت الجريح الفريدة

مايجمعني بصوت عبدالكريم عبدالقادر مختلف عن أي فنان آخر، سنواتي الأولى في القيادة كانت سيارتي…

سنتين ago

العودة إلى ووردبريس .. مجبراً

بعد فترة تقارب 10 أعوام من السكنى في wordpress.com ، أعود مغرماً إلى عالم المواقع…

سنتين ago

مرحبا 2023

      2022 إحدى السنوات التي مرت بسرعة، وأعتقد أن مرحلة التعافي من كورونا…

سنتين ago

منتخب أفضل مما نتوقع

  من حسن حظي أني حضرت المونديالات الثلاث التي شارك فيها المنتخب 2006 - 2018…

سنتين ago