مرحبا 2023 

2022 إحدى السنوات التي مرت بسرعة، وأعتقد أن مرحلة التعافي من كورونا حولت مسارات كل المشاريع لتكون سنة انطلاقة جديدة، بالنسبة لي هذا العام كان مليء بطلبات العمل التي لا تنتهي صبحاً ومساءاً وحتى في إجازات نهاية الأسبوع، بدأت أحسب بالأشهر كم بقي على التقاعد المبكر .. مازال الطريق طويلاً لذلك لكن الفكرة بشكل عام أصبحت تدور في ذهني بين حين وآخر .

قد تكون من السنوات المستقرة جداً التي عشتها مؤخراً، لم تكن من ضمن السنوات المفصلية لذلك فضلت أن أدرج أبرز نقاطها بشكل سريع ..

يوم الانتصار التاريخي على بطل العالم: لا أعتقد أنني عشت لحظة سعيدة في حياتي تعادل فرحة صافرة الحكم بعد مباراة الأرجنتين، كنت في ملعب لوسيل بالدوحة شاهداً على هذا الحدث التاريخي، كان حدثاً أشبه بالحلم بل هو أقرب للحلم فعلاً من الحقيقة، بلاشك تفاصيله ستبقى في ذاكرتي طويلاً، لا أذكر أني عشت لحظة سعادة غامرة كتلك .. ولو كان الأمر بيدي لنزلت أنطلق في أرض الملعب.

منتج ريكسوس بشرم الشيخ : قضيت مع زوجتي وأطفالي إجازة رائعة في شرم، لم أكن متفائلاً برحلتي الأولى إلى مصر، لكن الأجواء في المنتجع كانت جميلة، يكفي أنه يتضمن قسماً كاملاً للألعاب المالية، والشعور الرائع الذي أعادني لعمر الطفولة من خلال التزحلق والصراخ في كل مرة مرة، خدمة الفندق جيدة جداً وقد تكون محطة دائمة لنا إن تسهلت الأمور المادية لذلك .

نزال البحر الأحمر: على الصعيد العملي، كانت تغطية حدث نزال البحر الأحمر بجدة مناسبة رائعة بالنسبة لي، وأعتقد أن تنوع مخطط الرحلة ساهم في ارتفاع نسبة السعادة، مثلاً يوم التدريب بنادي الخطوط السعودية، يوم المؤتمر الصحفي في فندق شانغريلا .. وهكذا على مدار خمسة أيام انتهت بيوم النزال التاريخي الذي توجه حضور الملهم الأمير محمد بن سلمان، ولربما أعتقد بأنها هي وفعالية فورمولا ون .. أكثر فعاليتين عشقت كل تفاصيلهما .

حفلات وزارة الثقافة الغناء بالفصحى: للمرة الأولى أحضر حفلاً غنائياً لمحمد عبده، لا تسلني عن تلك الليلة الجميلة التي غنى فيها أنشودة المطر في أجواء رائعة، كان الحضور لحفلة محمد عبده حلماً وتحقق، والأمر لم يقتصر على تلك الليلة، بل حضرت بعدها باسبوع حفلة ماجدة الرومي، حفلتين في قمة الرقي والتنظيم وإدارة المشهد بهدوء وسلاسة، زادتني طمعاً في مناسبات مشابهة تقيمها الوزارة .

شاشة TCL : للمرة الثانية خلال سنتين، خالد حطم شاشة سامسونج في صالة المنزل رغم أنها هذه المرة مثبتة في الجدار، متعب جداً هذا الخالد، وإن شاء الله يسدد قيمة شاشتين عندما يكبر،  غضبت وقررت عدم دفع قيمة عالية لشراء ماركة كبرى، اتجهت للشاشات الصينية واخترت شاشة TCL بتردد 120 هيرتز، وخلافاً لتوقعي، كانت الشاشة فوق فوق مستوى توقعاتي بكثير وبنظام تشغيل رائع جداً .. مازلت منذهل من جودتها وقيمتها الرخيصة.

سنة عائلية رياضية : الفضل بعد الله لزوجتي الغالية التي تحرص – أكثر مني – على إشراك فهد ويارا في نشاطات مسائية في الأندية، يارا خطت طريقها في الجمباز وهي سعيدة بذلك وإن كانت مازلت في فلك الرياضة المجتمعية .. اي السعادة بالرياضة وليس باحترافها، وفهد فاجئني بتقبله للكاراتيه وحرصه على حضور التمارين بشكل لم أعهده منه .. حتى وصل الآن للحزام الأزرق بحضور 4 حصص أسبوعية مع المدرب الرائع ماجد الخليفة صاحب الألقاب الكبرى .. ، أتمنى فهد أن يسير في هذا الاتجاه ويتطور أكثر بإذن الله ، اما والدهم كاتب هذه الأسطر في سجل في ماراثون الرياض الدولي بمسافة 10 كلم ، ومن المفترض أن أبدأ التمارين والتجهيز خلال فترة لاحقة من هذا الأسبوع – بس يخف المطر –

وبس ؟ 

بصراحة أنا فاشل جداً في ترتيب أفكاري ونقاطي، وأكتب بسليقتي مرة واحدة متى ماكان المزاج يساعد .. أحس بأني وصلت للنهاية لكن كانت في هذه السنة تفاصيل كثيرة من المفترض أن أحكي عنها .. لا أعلم قد أعود لاحقاًُ لكتابة المزيد ..

منتخب أفضل مما نتوقع

من حسن حظي أني حضرت المونديالات الثلاث التي شارك فيها المنتخب 2006 – 2018 – 2022 ، لذلك عندما أتحدث هنا فأنا أكتب عن تجربة حضورية مختلفة، رغم بعدي عن المنتخب فنياً.

دعونا في البداية نتفق بأن المنتخب الأخير نسخة 2022 هو أضعف المنتخبات من ناحية الأفراد لسبب بسيط جداً، فالمنتخب يمر بفترة التحول بين الأجيال، بالتالي جزء كبير من لاعبيه قليلي الخبرة باستثناء ربما الرباعي (كنو – سلمان – سالم – الشهراني)، فيما بقية اللاعبين مبارياتهم الدولية قليلة جداً جلها أمام منتخبات دون المستوى مثل (الكويت – البحرين – اليمن – سنغافورة – فلسطين) ، بل أن بعضهم مثل (رياض شراحيلي) كان يخوض مبارياته الدولية الرسمية الأولى له في المونديال رغم أنه يبلغ من العمر 30 عاماً.

والتحدي الآخر هو أن قرابة نصف التشكيلة هي عبارة عن لاعبين احتياط في أنديتهم بسبب تطبيق نظام الأجانب الثمانية، فالمهاجم الرئيس في المنتخب هو احتياطي ثاني في ناديه، ولاعبو المحور نصفهم احتياط بل حتى صانعو اللعب هم احتياط عدا ربما سالم الدوسري .. والحارس أيضاً احتياط .

وأختصر وجهة نظري تجربة الأخضر بالمونديال في جانبين كان لهما الأثر الأكبر في عدم التأهل للدور الثاني، والذي لم يكن أساساً متوقعاً ولا مطلباً.

▪️عدم وجود صف ثاني للمنتخب أو خط احتياط يواجه التحديات، واتضح جلياً في مباراة المكسيك بعد كثرة الإصابات حيث أظهرت مشاركة الاحتياطيين وجود فارق كبير جداً عن الأساسيين وتحول المنتخب في المواجهة الثالثة وكأنه منتخب جديد مختلف تماماً عن مباراتي الأرجنتين وبولندا، واختلاف قوة ومهارة البديل عن الأساسي كانت فارقاً كبيراً جداً في التغير.

▪️ضعف بنية اللاعب السعودي لياقياً بسبب ضعف التنافسية في المواجهات المحلية، كأس العالم أظهر المباريات وكأنها حرب ضروس وليست مواجهات كرة قدم، ومن كل المنتخبات المشاركة تقريباً،  منتخبنا هو الوحيد الذي انهار في المواجهة الثالثة لياقياً وذهنياً ولا يوجد حل لهذه المشكلة سوى بمشاركة اللاعبين في بطولات أوروبية مثل منتخبات اليابان وكوريا والمغرب ، لأن منطقة الخليج بل وحتى آسيا مجال التنافسية فيها ضعيف جداً ودرجة وحدة المواجهات ضعيفة، وكثير من المواجهة الإقليمية كنت أشاهد الفرق السعودية وهي تستطيع الفوز – على الواقف – دون تنافس قوي جداً سوى باستثناء الأدوار المتقدمة من دوري أبطال آسيا (ربما من دور الثمانية )، ولاعب في فريق الاتحاد  – على سبيل المثال – محلياً لا يعطي كامل قوته وتنافسيته العالية إلا حينما يقابل الهلال والنصر والأهلي والشباب طوال موسم كامل، فيما بقية الأندية غالباً تلعب للدفاع وإغلاق المنطقة، بالتالي معدل تنافسية اللاعب ودقة تمريراته بل وحتى معدل الركض في المباراة الواحدة قليل جداً.

وإجمالاً أرى المشاركة في المونديال كانت مميزة في مواجهتين وضعيفة في الثالثة ..

▪️أن نلعب المباراة الأخيرة وعيننا على التأهل لم يكن بحلم حتى 10% من الجمهور

▪️أن تهزم الأرجنتين في أفضل نسخها الكروية وبحضور أسطورتها الكبرى هي معجزة لا أتوقع أن تتكرر

▪️أن تسيطر في كأس العالم وتفرض هويتك الفنية رغم الفوارق الشخصية الهائلة، هو شعور أعيشه للمرة الاولى كمشجع للمنتخب ؛(باستثناء مشاركة ٩٤ )

▪️أن تكون هذه المشاركة مميزة فنية بمنتخب نصفه احتياط في أنديتهم هو أمر كان مستبعد ومستبعد جداً..

كان ينقص هذه المشاركة منتخب عربي نتمكن من الفوز عليه ونتأهل 🫣

أنا وماجدة الرومي بيننا 1 كلم

في مقدمة مسلسل black bird المثير، كان هنالك نص جميل يحكي عن ترابط أحداث الناس في هذا العالم ببعضها البعض دون أن نشعر، بطل المسلسل يعيش حياة مترفة بشيكاغو ومرتبط بشكل جذري بمراهقة تقلب حياته رأساً على عقب تسير بدراجتها في إحدى غابات إنديانا .

أعادتني هذه المقدمة إلى الوراء – ليس قليلاً – وأنا طالب أدرس في الصف الثاني ثانوي للتو بدأت في قيادة السيارة، وسيارتي المتواضعة في ذلك الوقت لم تكن تتضمن سوى مسجل كاسيت قديم ودون أن أملك أي ميزانية لشراء أي ألبومات غنائية إلا ما أتحصل عليه من صديق أو من هنا و هناك.

قد تضحك وأنت تقرأ هذه الأسطر وأمامك ملايين الأغاني في يوتيوب وساوند كلاود، لكني في تلك الفترة أفرح بالكاسيت الذي يبقى في درج سيارتي لأشهر، وأعيد سماعه عشرات المرات لأن سيارتي المتواضعة لا تلتقط إشارة إذاعة الإف إم (الوحيدة)، لدرجة أني حتى الآن ورغم مرور هذه السنوات أعرف أن أغنية جمر الوداع لعبدالكريم عبدالقادر كانت مقدمة لألبوم ظماي إنت ، وأغنية وشلون مغليك هي الأغنية الأخيرة في الوجه الثاني من ألبوم آمر تدلل لخالد عبدالرحمن .

أسوق هذه المقدمة مرة أخرى وأنا أربط سيدة لبنانية ولدت في مدينة صور منتصف الخمسينات، بمراهق سعودي يقود سيارته (الكراسيدا) ينتقل من منزل أهله بحي النخيل في شمال الرياض إلى مدرسته الثانوية بحي الورود، يستمع إلى صوتها صباح كل يوم في (كلمات ) نزار قباني، ويتحمس مع أغاني محمود درويش ، وغيرهم من كتّاب الفصحى الذين تغنت بصوتهم ماجدة الرومي وصدحت بأجمل ماكتبوا.

لا أدعي الآن بأني مثقف أو ضليع في اللغة العربية، حتى ولو تخصصت في دراسة اللغة العربية بالجامعة، لكن من المؤكد أن لصوت ماجدة الرومي وارتباطها اللغوي والثقافي في ذاكرتي دور كبير في تغيير توجهي نحو حب الكتابة والميل للفصحى في تلك الفترة من حياتي والتي تشكلت شيئاً فشيئاً لأن تكون الكتابة والمحتوى مصدر رزقي الذي نميت به حياتي حتى انتصفت الآن في الأربعينات.

ماجدة الرومي وحبي للأغاني الفصيحة كانت مدخلاً لا نهائياً من الطرب العربي .. نحو كاظم الساهر وحقبته الذهبية في التسعينات، ولطفي بوشناق وختامها بالوصول إلى قمة الطرب بسماع الأغاني الفصيحة لسيدة الغناء العربي أم كلثوم ، وقد تبتسم بأني في تلك الفترة حاولت بأن أكتب الشعر الفصيح وأحلم ليلاً بأن أرى كلمات تغنى، والحمدلله أن الأمر بقي في إطار الحلم لشاعر فاشل.

أقول في نفسي في كثير من الأحيان، هل غيرت ماجد الرومي حياتي نحو الكتابة الفصيحة في ذلك الوقت من عمري، ولو لم أحصل على كاسيت كلمات الذي لم يغادر مسجل سيارتي ، هل سأواصل الميل نحو الكتابة الفصيحة والتحول الكبير نحو العمل الصحافي ثم الإعلامي لاحقاً ، هذه التفاصيل البسيطة من حياتنا ولو كانت – هدية كاسيت – هل يمكنها أن ترسم مستقبلنا دون أن نشعر ؟

أكتب هذه الكلمات وماجد الرومي ستكون في الرياض الأسبوع المقبل لتحي حفلاً تنظمه وزارة الثقافة السعودية .. وهذا الحفل يبعد عن بيتي كيلو متر واحد .

تحديث: حضرت الحفلة 🤩

العودة إلى القديم الذي لم أجربه يوماً 

قد يكون أحد أكثر الأسئلة التي تصلني من الزملاء والأصدقاء بعد تجاوز سن الخامسة والأربعين، عن الذي تغير في حياتي بعد هذه السنوات، وفي الحقيقة أجد معاناة كبيرة في الإجابة عن السؤال لأني أعتقد بعدم وجود أي تغير يستحق الذكر.

الأمور التي أحبها لازلت أطاردها وأبحث عنها بنفس الشغف، والتعلم واكتشاف الجديد لاسيما تقنياً مازال وربما أكثر، بل وحتى ألعاب البلايستيشن التي ألعبها منذ سنوات لازلت أتابع اصداراتها الجديدة قدر الإمكان.

من المؤكد أن هناك أمور تغيرت دون أن أشعر، خاصة في ظل المسؤولية بإدارة منزل مع زوجة وثلاثة أطفال وعاملة منزلية وسائق، ناهيك عن الأمور العملية المرهقة التي يزداد ثقلها يوماً بعد آخر وتحيلني كل يوم في حسبة البحث عن التقاعد المبكر الذي مازال أمامي سنوات لبلوغه.

هناك أمر واحد فقط بدأت أحس بتغيره بشكل كبير، وألمس فعلاً بأن اهتمامي فيه مختلف تماماً عن السابق، ألا وهو الذائقة السمعية ، وذائعة تذوق الأطعمة والمأكولات.

فعلاً أحس بتغيير كبير وأنا أعود إلى القديم والإرث النجدي حتى ولو كان في أمور لم أعشها مسبقاً وأنا طفل، ففي سنواتي الأولى لم أكن مثلاً أحرص على سماع العرضات على سبيل مثال (وأقصد هنا العرضة السعودية)، كل ما أذكره من ذكريات هو أن والدي أطال الله في عمره يبحث عن حضورها في الأعياد ويستمتع بمشاهدتها في التلفزيون، وكنت أشاهدها فقط حينما يشارك فيها الملوك الذين يعطون بعداً آخر للعرضة السعودية، والأمر نفسه في الشيلات الفلكلورية القديمة (وليست شيلات النشاز في وقتنا الحالي)، لم أنشأ أبداً على سماعها ولا أعرفها ولا أذكر يوماً أن أشقائي الأكبر مني كانوا يسمعونها مثلاً في سياراتهم.

حالياً وفي كثير من لحظات التذمر التي أشعر بها – أحياناً – ، أحب أن أسمع شيئاً مختلفاً من القديم، وخاصة (مني عليكم يا اهل العوجا سلام .. ) وأنا أتقبل منك – عزيزي القارئ – وأنت تسمعها أن تحس بكونها ليست إلا صوت نشار جماعي بالطبول ولا ألومك حقيقة على ذلك لأن هذا هو شعوري نفسه عندما أستمع إلى الفلكلور الآخر الذي تحسب سماعه، بينما ما أسمعه في العرضة .. هو قمة التناغم الموسيقي والطربي ؟

أما الشيلات القديمة، فاسألني عن شيلات أحمد القرعاوي، والتي أجد لها خيالاً واسعاً لا ينتهي مع الكلمات والأوصاف المليئة بالحكم .. اسمع مثلاً ( يامل قلب يسج وفيه دولاجه) .

أما بالنسبة للأكل تحديداً، فالمأكولات الجديدة والديكورات البراقة التي غزتنا في الرياض مؤخراً لا أذكر يوماً أنها أثرت علي، وأحياناً أشعر بأن جميع محلات مطاعم البرجر متشابهة جداً والاختلاف بينها لا يكاد يذكر، ومطاعمي المفضلة هي التي أحبها من 10 سنوات وأكثر، ويكفي أن مطعم الشاورما المفضل لازال (ماما نورة) رغم ظهورات العشرات والعشرات من المطاعم الجديدة التي تركز على الديكورات والتغليف ، ومطعم الرز المفضل مازال شواية الخليج

أكتب هذه الأسطر فجر السبت وأنا أبحث عن مطاعم شعبية في جدة لأجربها في رحلتي الأسبوع المقبل .. لأول مرة أرتبط بمهمة في جدة لمدة اسبوع، فترة طويلة جداً تستحق تجربة المطاعم الشعبية وجدة مشهورة بها .

أطلت عليكم .. إلى لقاء قريب

علي جابر  .. صوت الآفاق 

في طفولتي وربما قبل أن أدخل المدرسة، كان شكل وصورة الشيخ علي جابر في ذهني غير مريحة إطلاقاً، وفيما أتذكر أن السبب هو خروجه عند بدء الإرسال التلفزيوني صباح كل يوم، وأنا أترقب الرسوم المتحركة، كان يحضر في تسجيل تلفزيوني ويطيل أكثر من غيره وتلاوته بطيئة .. وأنا كطفل كنت أرغب في أن يسرع وينتهي حتى تبدأ فقرة الأطفال.

في ذلك الوقت كنت أستهوي سماع قراء المسجد الحرام بشكل أكبر، مثل الشيخ عبدالله الخليفي الذي كان أكثر  أكثر صوت ارتبطت به بحكم حب شقيقي الأكبر له وتشغيله لتلاوته حتى في السيارة ، ثم ملت لصوت الشيخ السبيل وذكريات صلاة المغرب وما يعقبها من قهوة المغرب بجلسة والدي ووالدتي – رحمها الله – وبقية أشقائي.

تطور الأمر لاحقاً نحو الشيخ السديس ثم أسماء بقية القراء التي جاءت لاحقاً لاسيما ماهر المعيقلي وسعود الشريم وسعد الغامدي، لم أكن أميل أبدأ لقراء المدرسة المصرية في التلاوة – حتى يومنا هذا – ولا أرى أن القرآن الكريم يقرأ بتلك الطريقة – من وجهة نظري – .

مؤخراً في رمضان العام الماضي وقعت على قناة وضعها أحدهم للشيخ علي جابر في تيك توك، وأصبحت في مشوار الدوام الصباحي أمر عليها مقطعاً مقطعاً حتى أصل .. تملكني صوته واستحوذ علي تماماً، ثم انتقلت لسماع مقاطعه والبحث عنها في يوتيوب، لاسيما التي يتلو فيها بالمسجد الحرام .. حيث هو مختلفاً حضوراً وتلاوة وبمراحل كبيرة عن تسجيل الاستديوهات.

تعرفون بقية المرحلة التي أمر بها عندما أحب شيئاً مختلفاً، انتقلت لقراءة كل الصفحات المتاحة التي وقعت عليها عيني من ويكيبيديا والصحف والمواقع القديمة، كل شيء عن شخص علي جابر السعيدي وحواراته وآرائه والتحديات التي واجهته وكيف وصل إلى هذه المرحلة من التلاوة.

أعاني أحياناً وأنا أكتب، أفكاري تتسابق إلى أصابعي وأنا أكتب عبر كيبورد جهازي، أحس بها تبدأ من عقلي ثم تمر عبر جسدي وتعبر بنان أصابعي .. ألحقها حيناً وتسبقني حيناً، كنت أتمنى لو  أملك ملكة الكتابة الإبداعية والمفردات الخلابة حتى أفي صوت علي جابر حقه، لكن يعلم الله أن في داخلي شعور مختلف كل مرة أستمع إليه، تلاوة مختلفة ولا يقلد فيها أحداً، باسلوبه الخاص والفريد ونبرة صوت مريحة وواضحة، ومخارج حروف مميزة.

كل مرة استمع إليه، كان خيالي يذهب إلى أفق جديد، وكأني استمع له للمرة الأولى، صوت يأخذك إلى السماء فعلاً ويحلق بك في الآفاق، حتى تعي الآيات القرآنية بشكل لم تشعر به مسبقاً .

محمد عبده : إرث موسيقى سعودي 🇸🇦

أحياناً تحس بأن ماتسمعه أو ما تشاهده هو أمر اعتيادي، لا تتذوقه بشكل مختلف أو تتأمله باسلوب مغاير، فحين يلعب فريقك المفضل باسلوب مميز لا يسايرك لحظتها شعور مختلف لأنك تعتقد بأن هذا هو الأمر المعتاد، والأمر ذاته على تذوق الطعام أو سماع الموسيقى.

أحاول فهم شعور المستمعين لإغاني محمد عبده في السبعينات والثمانينات، هل كانوا يقفزون فرحاً مع كل اصدار جديد له، هل يتجولون بسياراتهم وقتاً أطول لاستيعاب الفكر الموسيقى فيها، أم كانوا يحتلفون فيها وكأنها أمر اعتيادي .. نزل شريط جديد لمحمد عبده إذن نشتريه ونسمعه ونردد معه .. هذا كل مافي الأمر .

الآن ونحن نعيش في 2022 وسط هذه الغثاء الموسيقى العربي والخليجي غير القابل للسماع، من كلمات وألحان، تستطيع الحكم فعلاً بأن ما غناه محمد عبده لاسيما في السبعينات والثمانينات الميلادية كان أمراً خارقاً وفوق العادة .. ولا أبالغ إن قلت أمراً أسطورياً قد لا يتكرر.

قضيت في دبي إجازة نهاية اسبوع كنت أنشد فيها البحث عن الهدوء ومحاولة الابتعاد عن الضجيج، وتزامن ذلك مع حفلة محمد عبده في الكويت، التي كنت استمع إليها طوال أيام الرحلة في المقاهي ولوبي الفندق.

أساطير التلحين محمد شفيق .. عمر كدرس ..عدنان خوج .. عبدالرب إدريس .. سراج عمر .. طلال باغر ، لم يكن دورهم فقط هو تلحين الكلمات فحسب، بل حتى مقدمات الأغاني كانت مختلفة والفواصل الموسيقية والكوبليهات حكاية أخرى .

إلى فترة قريبة كنت أجد ملاذاً في الابتعاد عن صخب الرياض والخروج إلى أطرافها للاستماع إلى الجمل الموسيقية في أغاني أم كلثوم لاسيما ما لحنه العبقري بليغ حمدي مثل فات الميعاد، لكني أيقنت الآن أننا نملك إرثاً سعودياً بامتياز بموسيقى خلاقة ومبتكره وجمل سعودية ذوقاً وفكراً .. والتى أداها محمد عبده خلال العقدين.

إرث كبير صنعه محمد عبده بألحان المبدعين أتمنى يوماً أن يحفظ ويرتب بطريقة مختلفة لتسجل كعلامة سعودية خالصة، وستجد العذر لأبونورة ونسجل الألحان التي نسبها لنفسه .. لا يمنع الأمر خاصة مقدمة صوتك يناديني . 

استمع للمقطع أعلاه ودونك أداء محمد عبده المعتاد .. بل استمع للجمل اللحنية والفواصل الجبارة، والأهم أن تكون أجواء السماع لديك مناسبة