الذكرى أمرٌ محير، تأسرك حيناً بلا موعد وتجرك إلى لحظات سابقة وكأن هناك من يحاول سحبك لتذكر كل لحظة وكل ثانية، وحيناً تحاصرك من كل الاتجاهات وتدعوك للبقايا على أحداث كنت تعتقد بأنها تافهة .. بسيطة لكنها تحولت إلى لحظات عميقة لن تتكرر.
أكتب هذه الأسطر من ولاية كاليفورنيا وتحديداً من البلدة التي قضيت فيها نصف عامٍ من سنة 2009، لقد جرتني المدينة جراً وسحبتني (على وجهي) حتى عدت إليها بعد نحو 11 شهراً و20 يوماً فقط .. لم أكمل العام بعد من الرحيل عنها.
علمتني الحياة بأن الذكريات الجميلة لها وقع السحر وها أنا ذا أنكوي بنارها، عندما عدت من رحلتي السابقة وما أن وطئت قدمي مطار الرياض حتى أعلنت الرهان بأني سأعود إلى مدينتي التي شعرت فيها للمرة الأولى بقيمتي كانسان.
عدت هذه المرة وقد تغيرت الأحوال، ترافقني زوجة وبزيارة محدودة قد لا تتجاوز الشهر خططت فيها للتجول في الولاية بأكملها، عدت هذه المرة وزملاء الدراسة في البلدة الجميلة قد تفرقوا وتشتت (دمهم) بين الولايات شرقاً وغرباً، عدت وأنا أصنف كسائح لا كعاشق(شرعي) لبلدة حالمة صغيرة تبتسم لكل من يطأ شوارعها وشاطئها ومطاعمها ومقاهيها.
عدت وأنا أقرأ كتاب الملهم الأكبر غازي القصيبي والذي حمل عنوان هذه التدوينة وحكى فيها شعوره بعد أن عاد إلى كاليفورنيا سائحاً لا طالباً وبرفقة زوجته وابنائه، ها أنا أعيش نفس (السيناريو) ولكن بلا أبناء.
أكتب هذه الأسطر بعد أن قارب يومي الأول فيها على الانتهاء، ولأكن صادقاً معكم لم أصدق أبداً بأن الفراق بين العاشق ومحبوبته بلغ حولاً كاملاً، وأنا أسير في الشارع الرئيس أحسست بأني كأني موجودٌ بها بالأمس، زوجتي كان تعلق بقولها (ربما قلبك لا زال يعيش فيها بينما جسدك وعقلك عادا للرياض)، لكني وفي كل ساعة كنت أقول (أحس بأني في الأمس أكلت في هذا المطعم، وشربت القهوة في هذا المقهى، بل أن هذا المحل قد دخلته ربما قبل يومين ..) شعور حقيقي جداً .. لم أحس أبداً بأني عدت للرياض وتزوجت وانتقلت إلى حياة جديدة ودخلت في معمعة دوام العمل اليومي التي تأكل الأخضر واليابس، صدق الحكيم الذي قال بأن حياته كانت مثل الغرفة التي لها بابان، دخل من الأول وخرج من الثاني.. تذكرت هذه المقولة كناية عن تسارع الأيام حتى أن العام أصبح مثل الاسبوع.
نفس المطاعم .. ونفس الوجوه ، ذات الأجواء وذات الابتسامات، الروح المشرقة والأجساد المليئة بالانسانية، حضور أشبه بالحلم بل هو الحلم ذاته، تعدمت لا أن آتي على ذكر البلدة لأن من يتابعني سيعرفها ولكني قصدت أن أبين الحال ولا أشخصن ما أطرحه.
هذه المشاعر التي أكتبها الآن مليئة بالأوراق المتقلبة والمتداخلة، غدا سأحاول أن أستيقظ مبكراً لأعيش فيها كل الدقائق .. بل كل الثواني، هل كبرت في العمر ؟ ربما لأن العاطفة أصبحت تؤثر بي كثيراً وتتداخل في العديد من مشاعري، هل ستكون هذه الزيارة الأخيرة أم ستكون هناك زيارة أخرى العام المقبل؟ هل ستكون ذات المشاعر أم تخف .. وتغيب ؟
بالغد سأخوض تجربة سأحاول خلالها دخول بعض الأماكن التي تعرفت على البائعين فيها .. هل سيتذكروني طلباتي ؟ وهل ستتذكر البائعة في مطعم الباستا بالركن الصغير طلبي (نو بيكن .. نو بورك) والذي أصبحت تردده بمجرد أن تراني .. ان كان ذلك صحيحاً .. إذن بالفعل كنت هنا بالأمس .. فمن يكون ذلك الشاب القابع في مدينة الاسمنت ويحمل نفس اسمي ؟
ذكرت في تدوينة سابقة بأن التغيّر الوحيد الذي لحظته على نفسي عقب تجاوز سن الخامسة…
ربما لا تعلم وأنت تقرأ أسطري هذه، بأني أمضيت هنا وسط هذه الصفحات الإلكترونية بالمدونة،…
مايجمعني بصوت عبدالكريم عبدالقادر مختلف عن أي فنان آخر، سنواتي الأولى في القيادة كانت سيارتي…
بعد فترة تقارب 10 أعوام من السكنى في wordpress.com ، أعود مغرماً إلى عالم المواقع…
من حسن حظي أني حضرت المونديالات الثلاث التي شارك فيها المنتخب 2006 - 2018…