لازال مشهد الانتخابات البلدية التي أقيمت في الرياض قبل سنوات يدور في مخيلتي بين حين وآخر، كان تساؤلي حول المبالغ الكبيرة التي كانت تدفع من أجل حملات إعلانية للظفر بمقعد في منصب شرفي لا يقدم ولا يؤخر، حملات إعلانية ضخمة ومبالغ تدفع هنا وهناك بل أن هناك أسماء صرفت عشرات الملايين ولم يكتب لها النجاح ..
كنت أنظر غالباً لتلك المبالغ بحسن نية لكن بعد مرور سنتين أو ثلاث انقلبت النظرة رأساً على عقب خاصة بعد أن خضت معترك الحياة الفعلية وأزلت نظارات التفاؤل الوردية، لماذا يدفعون تلك المبالغ الكبيرة .. هل فعلاً هم يريدون خدمة الوطن والمواطن – كما يدعون ويقولون – أم أن وراء الأكمة ماورائها ..
الآن في الحياة العملية بدأت ألحظ سباقاً فريداً من نوع آخر .. سباق المناصب الكبرى بل أفضل تسميتها بحرب المناصب الكبرى، بدأت أتأمل كيف لوضيع أن يبدأ صغيراً ويخطط بدهاء وخبث بمبدأ – الغاية تبرر الوسيلة – ، قد يسقط ناساً أبرياء وينهي رزق آخرين لاعلاقة لهم بولع المنصب .. كل ذلك من أجل أن يصل ويصبح مديرا.
أصبحت أتابع آخرين يبذلون جهوداً كبيرة ويصلون الليل بالنهار في مناصبهم الصغيرة حتى يحظون بالترقية تلو الأخرى وعندما يصل لمقعد المدير .. يتحول أحدهم إلى شخصية مختلفة ، يأتي متأخراً ويخرج باكراً .. يغرق في وحل الواسطات والانتدابات التي لا تنتهي .. ببساطة يصبح (مثلهم) .. ولا تسألني عن هم .. أنا مثلك لا أعرفهم ! .. وأيضاً هم هم هم .
أنظر دائماً للمناصب القيادية في الوظائف الحكومية ، الغالبية منها ذات رواتب عادية قد يتقاضاها مبرمج في شركة انترنت .. خاصة بعد أن أصبحت الرواتب العالية في الشركات في بحر 15 ألف أمراً اعتياديا – خلال الوقت الحالي- وهو المبلغ الذي يتقاضاه ذو منصب قيادي جدا في دائرة حكومية، إذن نتفق بأن العائد المادي ليس هدفاً لهؤلاء ، وحتى لا أكون معمماً أكثر أقول على الأقل لغالبيتهم .. ربما يكون مدير إدارة وراتبه لا يتجاوز 10 آلاف ، بل أعرف شخصاً يعمل مديراً وتحته عدد من الموظفين وراتبه لا يزيد عن ستة آلاف ريال.
فرق كبير بين أن تمنح الكرسي من أجل عملك وفكرك وإبداعك وأن تواصل نفس المسيرة .. وبين أن تتحول إلى مجرد كرسي آخر، الولع بالوصول إلى المنصب وتحويله إلى حلم .. أقصد مجرد الوصول هو ولع وظاهرة وموضة بدأت ألحظها في السنوات الأخيرة .. لو قيل لأحدهم تعال وكن مدير للقهوجية لجاء مسرعاً طابعاً كروته مزينة بالمنصب الجديد قبل أن يصل لدوامه.
تأملوا حتى المواقع الالكترونية والمنتديات، موقع يبدأ ببرنامج مجاني لعرض الأخبار المقتبسة من مواقع الصحف أو جوالاتها وأخبار تأتي جاهزة عبر البريد الالكتروني من المتحدث الأمني أو غيرها تجد فيه المناصب مزينة بولع شديد، مجرد هواة لم يتجاوزا سنواتهم الأولى في الإعلام يزينون المواقع بأسمائهم ومناصبهم .. رئيس مجلس الإدارة .. رئيس التحرير بل دخلت على موقع إخباري مخصص للشباب فضحكت من كل قلبي عندما دخلت صفحة طاقم التحرير لأجد جميعهم مدراء .. بل حتى أن رئيس التحرير لديه مستشار تحرير .. لم يبق إلا قهوجي الرئيس.
ياناس ياعالم .. الحياة لا تؤخذ هكذا والدنيا لا تستحق مثل هذه الأفكار .. صحيح أن الطموح شيء جميل وكل شخص له حق أن يفكر في أن يصل لمستوى معين ولكن قلي بربك ماهو الفارق الذي ستصنعه من أجل أن تكون مدير عام أو حتى وزير .. أليست حياتك تستحق أن تمنحها جزءاً من وقتك .. وهل تعتقد بأن الوزير يسعد في حياته أو يجد الوقت الرائع الذي تجده الآن تتجول فيه بالانترنت وتقرأ الكتب وتشاهد الأفلام ، يكفي مجرد التفكير بالاستقبالات الرسمية والانتظار الطويل لساعات، عن نفسي لو قيل لي خذ مليوناً وكن وزيراً .. بكل تأكيد لن أقبل.
ستقول بأني سأحدث تغييراً عندما أصل للمنصب يذكرني فيه التاريخ أقول لك ولللأسف الشديد أن التاريخ لا يحفظ إلا للناس الفاسدين .. سيقال بعد سنوات جاء الوزير الفلاني وسرق .. والوزير العلاني وحول وزارته إلى مكان موبوء بالفساد .. ، امسك ورقة وقلماً وقل ماهي أبرز الإنجازات التي تركها وزراء أو مدراء قبل سنوات … ربما ترصد جزءاً ولكن هل تستحق فعلأً ؟
كتبت هذا الموضوع بعد توقف هو الأطول واللياقة لا تساعد على الاستمرار .. لكني أتمنى أن أجد يوماً إجابة لتساؤلي .. لماذا يحبون أن يكونوا مدراء ؟
ذكرت في تدوينة سابقة بأن التغيّر الوحيد الذي لحظته على نفسي عقب تجاوز سن الخامسة…
ربما لا تعلم وأنت تقرأ أسطري هذه، بأني أمضيت هنا وسط هذه الصفحات الإلكترونية بالمدونة،…
مايجمعني بصوت عبدالكريم عبدالقادر مختلف عن أي فنان آخر، سنواتي الأولى في القيادة كانت سيارتي…
بعد فترة تقارب 10 أعوام من السكنى في wordpress.com ، أعود مغرماً إلى عالم المواقع…
من حسن حظي أني حضرت المونديالات الثلاث التي شارك فيها المنتخب 2006 - 2018…