عندما كنت أهم بتقديم طلب الرخصة في دائرة الرخص بمدينة سانتا باربرا بكاليفورنيا مايو الماضي كانت المقابلة بعد الاختبار التحريري أمام فتاة أمريكية هادئة الملامح لم تكن ترفع عينيها عن تصحيح الأوراق ومتابعة الطلبات، عندما لمحت اسمي رفعت رأسها وسألتني (أنتَ من السعودية ؟ .. هذا أمر مثير .. لم يسبق لي أن تابعت اصدار رخصة قيادة لسعودي) ، من كان يعمل خلف مكتبها التفتوا جميعاً بشكل كان محرجاً بالنسبة لي، لم أملك سريعة البديهة وقتها حتى أرد، ابتسمت وقلت (جيد .. يمكنك إضافة ذلك لسيرتك الذاتية) ضحتُ بعدها ضحكة صفراء (مثل وجهي) محاولاً ان أجعلها تضحك أيضاً (ضحة مثل وجهها) .. و(أبشركم) .. ضحكت بصوت عال.
قالت : هل ممكن أن أسألك سؤالاً واحداً فقط ..
أجبت : بكل سرور اسألي ماشئت (كنت أعتقد بأنها ستسأل عن ابن لادن أو عن القوانين المشددة في السعودية – كما يرونها – ) ، أخذت ورقة من السلة المجاورة ورسمت لي رسماً بيانياً من خط واحد .. يبدأ من أسفل الورقة ثم يعلو إلى القمة ثم يهوي مرة أخرى إلى أدنى الورقة.
ضحكت وقالت : من المؤكد بأنك لن تعرف ماذا تقصد لكني سأحاول .. ماذا تفهم من ذلك ؟
قلت : حتماً لا يمكنني أن أفهم .. (نداء الشر في داخلي كان يقول وش هالبنت اللي ماصدقت تشوف زين إلا وتحرشت فيه) .. خاصة أني كنت أصف في طابور وخلفي ثلاثة أو أربعة أشخاص .
ردت بسرعة : مايدهشني أن هذا يمثل الاسلام بالنسبة لي .. كان في بدايته مجهولاً وبالكاد كان يمثل شيئاً أمام الآخرين .. بعدها بسنوات قليلة وصلتم إلى القمة وأصبحتم قادة العالم .. والآن عدتم كما كنتم إلى القاع .. وأدنى من القاع أيضاً ..
علقتُ بسرعة : فعلاً هذا ماحدث .. و(وجهي كان يمثل صورة الشخص المندهش من تساؤلها المحرج)..
قالت : أعلم بأنك مستغرب من سؤالي لأني مسيحية وأقرأ كثيراً في التاريخ الاسلامي (لاحظوا أنها تعمل في استقبال رخص المرور)، لكنني عجزت أن أجد الفجوة التي أوصلتكم إلى دول متخلفة (في الحقيقة كانت مؤدبة ولم تقل متخلفة .. استخدمت معنى آخر لكني لم أعد أتذكر التفاصيل تماماً) ثم أضافت .. ماذا حدث لكم ؟
قلت : اممممم هذا سؤال صعب ويحتاج إلى وقت طويل لإجابته .. علقت بذلك وأنا ألتفت إلى الوراء متأملاً الطابور (يعني افهميها .. وافهموها بئا) .
قالت : (أعتقد أنا السبب لديكم بسبب الحكومات، دام أن الحكومات تأخذ منافع ومداخيل الدولة وتصرفها تجاه عدد محدد من الناس فلن تتقدموا ولو خطوة إلى الأمام .. بل قرأت كتاباً يقول بأن رئيس إحدى الدول العربية يأخذ 25% من مجموع الدخل العام له ولاسرته .. )بالنسبة لي صعب علي إكمال النقاش والتفت يميناً ويساراً (خوفاً من أن يسمعنا أحد على الطريقة العربية).
علقت : إذن أنتِ مقتنعة بأن الخلل في الناس وليس في الاسلام ؟
أجابت : صدقني الموضوع يحيرني ..منذ فترة وأنا أقرأ !
بعدها بثوان سألتني عن رخصتي السعودية وقلت لها بأن معي الرخصة القديمة التي لا تتضمن أي ترجمة باللغة الانجليزية طلبتها مني ثم وضعت ملصقاً خلفها يقول (غير مسموح بتداولها في كاليفورنيا) .. تعجبت وقلت لها أنا هنا لاستخراج رخصة كاليفورنية .. رجاء لا تفسدين علي رخصتي السعودية !.
مايثير في الموضوع بأنها منحتني ورقة (رخصة مؤقتة) للقيادة في المدينة حتى تصل الرخصة الرسمية عبر البريد خلال فترة اسبوعين وبلا اختبار عملي !! الذي يخضع له حتى المتقدمين من الأمريكيين .. مديرة المعهد الذي كنت أدرس به لازالت تعتقد بوجود علاقة بيني وبين الفتاة لأنها منحتني الرخصة دون اختبار (سجل عندك واسطتي الثانية في أمريكا)
البارحة كنت أفتش في بعضٍ من أوراقي القديمة ووجدت رخصتي الأمريكية ثم تذكرت هذه المحادثة وجلست أفكر .. فعلاً كيف وصلنا إلى هذا الوضع المتردي فكرياً وأخلاقياً بعدما كنا قادة العالم ومنيري دروبه المظلمة ، هل العيب في الأنظمة أم في الناس .. أو كليهما معاً ؟ .. لماذا أصبحت الدول العربية بؤرة حروب واغتيالات وأفكار سوداوية مظلمة وسطحية في الفكر والثقافة والعلم .. هل هناك نظرة تفاؤل في المستقبل ؟ .. بالنسبة لي نظرتي تشاؤمية على الأقل للعشرين سنة القادمة والتي أعتقد بأن الحال سيكون أسوأ ..
ذكرت في تدوينة سابقة بأن التغيّر الوحيد الذي لحظته على نفسي عقب تجاوز سن الخامسة…
ربما لا تعلم وأنت تقرأ أسطري هذه، بأني أمضيت هنا وسط هذه الصفحات الإلكترونية بالمدونة،…
مايجمعني بصوت عبدالكريم عبدالقادر مختلف عن أي فنان آخر، سنواتي الأولى في القيادة كانت سيارتي…
بعد فترة تقارب 10 أعوام من السكنى في wordpress.com ، أعود مغرماً إلى عالم المواقع…
من حسن حظي أني حضرت المونديالات الثلاث التي شارك فيها المنتخب 2006 - 2018…