لماذا لا نحب العمل ؟
قابلت فتاة أمريكية عمرها لا يتجاوز 29 عاماً، أذهلتني بحبها الكبير للعمل طوال اليوم وتجاهل الراحة حتى في إجازة نهاية الاسبوع، هي لا تملك أي عمل حقيقي (فل تايم) لكنها عوضت ذلك بعملها عمل جزئي (بارت تايم) .. تتوقعون كم عملاً تشغله في اليوم ؟ .. ليس واحد ولا اثنان ولا ثلاثة كما تقول الدعاية الشهيرة .. نعم أربعة ، أربعة أعمال بدوام جزئي (بالتمام والكمال) أولها مدرسة في معهد بتقديم (محاضرتين كل يوم أي ساعتين) وآخرها مروجة لإحدى الشركات الاعلانية عن منتجات تلف بين المحلات والشوارع بل وحتى النوادي الليلية للترويج عن منتجات الشركات.
أدهشني هنا كثرة الارتباط بالعمل والرغبة الجامحة في الاستفادة من كل دقيقة من اليوم، لازلت أقف مندهشاً أمام أرقام البطالة المعلنة عن سكان أمريكا وأنا هنا لا أذكر أني وقفت أمام شاب يكتفي بعمل صباحي فقط ، العمل الجزئي جزء كبير من ثقافة الناس هنا .. حتى ولو كان هناك صعوبة في توفير عمل مسائي تجد الشخص يتوجه لعمل تطوعي حتى ولو كان لفترة مؤقتة لا تتجاوز الاسبوع.
لذلك عندما نقرأ الإحصائيات أو البرامج الساخرة من الشعب الذي قد لا يعرف من هو رئيس وزراء بريطانيا أو ما اسم وزير أمريكي، هم لا يكترثون لذلك مطلقاً ولا أبالغ بأن أقول بأني أحياناً أتفوق على بعضهم في معرفة خصائص الرئيس (أوباما) اكثر منهم – مرة دخلنا في رهان بأن أوباما يستخدم يده اليسرى في الكتابة كنا 6 أربعة خالفوني وواحد فقط أيدني بأن أوباما أعسر – .
حتى لا أحيد عن الموضوع الرئيس أقول بأننا كشعب متخلف – عن الدول المتقدمة – ونميل للكسل وتغييب الطموح عن حياتنا لا أذكر أننا كرسنا مفاهيم العمل في حياتنا، لا أملك أي إحصائية موثقة لكني على يقين بأن 90% من الموظفين – سواء كقطاع خاص أو حكومي – لا يبدأون يومهم وظيفيا في الوقت المطلوب، وحتى لا أعطي موضوعي أرقام غير موثقة لأتحدث عنها عن الغالبية، لا أنظر أو أصور نفسي بالمثالي فأنا مثلك أتأخر ولا ألتزم في كثير من الأحيان بالحضور في الموعد المطلوب ، والأمر نفسه في موعد الخروج .. قلي بربك كم مرة حضرت إلى منشأة حكومية عند الثانية ظهراً ووجدت الموظفين في مكاتبهم .. طبعا هنا لن أتطرق لمواعيد الصلاة في أماكن العمل وكيف يتم تمطيطها حتى تصل إلى أكثر من 45 دقيقة لأداء صلاة من المفترض أن لا يتجاوز وقتها 10 دقائق .
القضية ليست قضية التزام وتدقيق حضور وانصراف .. فهذا الأمر قد ينجح كحال البنوك لدينا حيث أن موظفيهم ملتزمين لكني أقصد أننا لا نوثق عملاً كثقافة وفكر يرتبط بالشخص نفسه .. تذكروا سياسة التسويف التي تبدأ منذ مقاعد المرحلة الابتدائية وانتهاء بالجامعة .. كم مرة وجدت طلاباً يسلمون بحثاً دراسياً في وقته ؟
حب العمل لا يرتبط فقط بالحضور والانصراف ولكن هناك نقاط أهم من ذلك يأتي على رأسها حب التطوير والابتكار وعدم الميل للخمول والكسل والرضا عن المكان الوظيفي لأجل الراتب الشهري، حب التطوير والابتكار هي ثقافة يجب أن تغرس فينا منذ الصغر حتى لا نستكين لعبارات التخدير التي تظهر أمامنا حينما تكبر على شاكلة (محد درى عنك ومحد جاب خبرك)
لدينا الآن آلاف الموظفين الذين ينتهي ارتباطهم الوظيفي عند منتصف النهار ، دائماً ما أجد نفسي أبحث عن إجابة لتساؤل .. كيف يمكن لهؤلاء أن يبقوا في وقت فراغ طويل يبدأ عند الواحدة ظهراً وحتى الثانية عشر ليلاً .. وقت طويل جدا جدا لا يمكن تصوره .. ليس لمدة اسبوعين ولكن ربما لسنوات، مثال ذلك المدرسين – حتى ولو غضبوا من التطرق لمواعيد عملهم – .. لكني غير مقتنع لأي تبرير يسوقه مدرس مدرسة يصل بيته عن الواحدة ظهراً ويبقى فارغاً بكل ماتحمله كلمة فراغ من معنى حتى منتصف الليل .. حتى القراءة لا يكون لها نصيب.
إن كنت في رحلتي هذه قد تلقيت دروساً فقد أخذت أكبر المواعظ والدروس في أننا شعب كسول كسول بكل ماتحمله الكلمة من معنى نكره العمل ونحاول أن نبتعد عن أي ارتباط عملي، ولو تعلقنا في عمل يفرض أياماً من العمل في فترات مسائية لوجدنا عشرات الأعذار والبحث عن واسطات للخروج من ذلك المأزق وكأننا سنستغل ماتبقى من الوقت في أمر مفيد فعلاً ..
– حتى لا يعتبرني من يقرأ منظراً لأجل الكتابة فقط فعملي أحياناً يفرض علي البقاء حتى الواحدة صباحا ..
* تحديث :
– قبل أن أغادر إلى الرياض علمت .. بالصدفة بأنها أيضاً تعمل (موديل) في إجازة نهاية الأسبوع ! يعني سجلوا خمسة دوامات