هل يعتزل الكاتب ؟
خلال الفترة الماضية لم يتيسر لي دخول الانترنت من شقتي بشكل متيسر، فمنذ انتقالي عقب زواجي في نوفمبر الماضي اشتركت في خدمة (جو) للانترنت وهي خدمة متواضعة وبالكاد تتيح التصفح فقط وأترك لكم مقارنة ماكنت أتحصل عليه قبل ذلك من سرعة انترنت تصل إلى 20 ميجا طوال الأشهر التي سبقت زواجي، إضافة إلى أن الحياة اليومية تغيرت كثيراً في مرحلة مابعد الزواج لذلك قل تواجدي على النترنت في مرحلة مابعد منتصف الليل وهو الوقت المفضل لي للكتابة.
أقرأ نحو 12 صحيفة يومية بحكم عملي وكنت أنظر باستغراب لقدرة بعض الكتاب على المشاركة بمقال يومي، هذا عمل مضني فكرياً ونفسياً لذلك قلة فقط هم من يكتبون بنفس الرتم والروح والفكر وأعتقد أن صالح الشيحي في الوطن هو أحدهم رغم اختلافي كثيراً في أفكاره وأحياناً في آرائه الغريبة، لكن لا يمنع الأمر بأنه من يجعلني أبدأ بقراءة الوطن من عموده النحيل، فيما كان هناك كتاب كانوا رائعين في زمن ماض لكنهم تراجعوا في السنوات الأخيرة عن أسلوب طرحهم ربما لاختلاف الموقع لكن عبدالعزيز السويد في الحياة هو أبرز هؤلاء .. أحياناً توحي كلماته بأنه يكتب على عجل دون أن يترك مجالاً لكي تنضج فكرته .. ربما لتوزيع الحياة المتواضع وقلة زوار موقعها الإلكتروني لم تعد تولد حافزاً للطرح الساخر الذي عرف به السويد، كتاب آخرون كسعد الدوسري في الرياض تغيرت أفكارهم فجأة خاصة عقب مقاله الذي تبرأ فيه من قصصه السابقة أو اعتذر عن طرحه الأدبي السابق معتبرها إياها بـ (غواية شعر أو نثر) وبعد هذا المقال انطفأ وهجه وبالكاد أصبحت أقرأ مقاله.
صالح الطريقي في عكاظ هو أحد الأشخاص الذين تعجبني أفكارهم وجرأتهم واستقلاليتهم بالرأي طرحه واسلوبه مثالي جداً لكنه في رأيي انساق وراء موجة التقسيم (الليبرالي والإسلامي) فأصبح يكتب أحياناً باسلوب مستفز، الكبير سناً ومكانة خالد القشطيني في الشرق الأوسط كانت مقالاته ملهمة لي حينما كنت في المرحلة المتوسطة والثانوية .. كنت أقصها (أيام الفضوة) وأحاول أن أكتب على وزنها .. طرحه كان أشبه بالمدرسة التي يتعلم منها القراء .. الآن تغير الحال .. حاله وحالي.
رغم ذلك إلا إن الكتابة اليومية تعد بطولة في حد ذاتها وسبق لي أن عشت التجربة قرابة الشهر لكني حتماً لن أعود إليها لإنها إرهاق ذهني كبير وهمٌ يكبس على القلب طوال اليوم .. تخيله وكأنك تعيش اختباراً كل يوم وعليك المذاكرة والاستعداد والعيش في طقوس هذه الأجواء الكريهة التي لا يحبها أحد .
قلة فقط من يمكنه أن يعيش كاتباً متى ماتمكن من ربط خبرة الكتابة مع خبرة الحياة، فيما البقية يتدهور مستواهم وينخفض يوماً بعد يوم حتى تقوم الجريدة بـ(زحلقته) تمهيداً لإحلال بديل عنه، ربما لا يعيش سوى الكتاب المصريون فيما يندر أن تجد كاتباً خليجياً يعمر (كتابياً ومقالياً).
أحياناً تدور عشرات الأفكار في رأسي لكتابة تدوينة لكن بمجرد أن أضع أصابعي فوق الكيبورد تتبعثر وتختلط قبل أن أكمل سطورها الأولى، ولدي مجلد فيه نحو 11 ملف (مفكرة) يتضمن أفكار تدوينات وأدت في مهدها، كنت أقول ربما يأتي اليوم الذي أعلن اعتزالي كما يقوم اللاعبون عادة بذلك خاصة وأن الانسان كلما كبر في العمر كلما تغيرت همومه وأماله وتطلعاته .. وحتى أفكاره .. ، ناهيك عن تغير أوقات فراغه .
طبعا هذه التدوينة ليست تلميحاً بتوجهي للاعتزال لكنه تساؤل لم لا نجد كاتباً يعلن اعتزاله عن الكتابة دام أنه لم يعد بإمكانه أن يقدم جديداً أو حتى مادة جاذبة للقراء.. مالعيب في ذلك؟ أشيد هنا بتجربة جريدة الوطن المميزة في استكتاب وجوه جديدة بين حين وآخر .. هذا الأمر يحي الفكر والورق والرأي أيضاً، لكن الاستمرار بالكتابة بنفس الرتم وأحياناً بمستوى أقل فلا مبرر سوى سوى رغبة الكاتب باستلام المرتب نهاية الشهر .. أما تقديم أي فكر للقراء فذلك آخر همومه وربما آخر هموم الصحيفة خاصة صحفنا التي لا تصدق أن تجد كاتباً لايسبب لها أزمات .. مابعد الخط الأحمر .
[…] This post was mentioned on Twitter by قلبي يتحدث. قلبي يتحدث said: http://bit.ly/9bsIFI هذه جاءت أثناء تفكيري بذات الموضوع .. لمَ لا؟ […]