علمتني الحياة: أحسن الظن
سأبدأ موضوعي هذا بقصتين مختلفتين حصلتا لي، قبل أشهر اشتريت هاتفي الآيفون 6 دون أن استعمل السماعة المرفقة التي تأتي مع الجهاز، كنت قد وضعتها في مكان الأكواب بالسيارة في حال أن جاءت لي مكالمة طويلة (بالمناسبة لا أحب المكالمات أبداً)، وكنت دائماً أسمع أن سماعة أبل جيدة وأفضل من غيرها من السماعات التجارية التي تملأ السوق،
تصادف ذلك اليوم أن أدخلت سيارتي مغسلة السيارات، وبينما أنا في الانتظار لفت نظري العامل – من جنسية أفريقية – وهو يتراقص على أنغام يسمعها من جواله ومن سماعة (تلمع) تبدو وكأنها جديدة، طبعاً نفس تفكيركم هو الذي بلغني وقتها .. أخذت هم استرداد السماعة .. هل أقول له أن هذه سماعتي وأنت سرقتها (بكل قوة وعزة نفس)، أم أناقشه بهدوء بأن هذه السماعة هي سماعة جوالي الجديد وأحاول استردادها بكل دبلوماسية.
مضت دقائق وأنا أفكر وأبحث عن المشرف أو مدير له أوضح له بأني نسيت السماعة داخل السيارة والعامل قد استعملها .. ثم أحياناً يدخل هاجس الطيبة والخلق وحسن التصرف وأقول بأني سأتغاضى عن ذلك .. كل مافي الأمر سماعة وأنا أخطأت بتركها هكذا.
عندما اقترب العامل لي لتسليمي السيارة بعد الانتهاء منها، كانت سماعتي في مكانها، وكانت سماعته في مكانها أيضاً معلقة على أذنيه، إذن كل مافي الأمر أني أسأت الظن والشيطان سرق فكري وذهب به بعيداً، كنت أتخيل السيناريو لو أني قد اقتربت منه وطلبته إعادة السماعة، أو كلمت المشرف عن سرقته .. كانت السيناريو سيكون مختلفاً ومختلفاً جداً.
القصة الثانية حدثت قبل أيام، كنت أطلب بالهاتف من محل الخضار المجاور الطلبات التي أتكاسل في حمله لشقتي، وهي طلبات اعتيادية لا تتجاوز البقدونس والبصل .. الخ من الأمور التي لا يندر التدقيق فيها مقارنة بشراء فاكهة مثلاً، قبل أن أغلق الهاتف والعامل يراجع الطلبات معي قلت له .. كيف البطيخ عندك ؟ قال رائع لا يفوتك ، بصراحة تحمست للطلب بسرعة خاصة في ظل الأجواء الحارة التي نعيشها.
بعد إغلاقي للهاتف أصبحت أفكر كيف أنني استعجلت وطلبت بطيخة بالهاتف وأنا أرى العشرات في الشوارع ومثلهم في محلات الخضار وهم يفحصون البطيخ وأحياناً يلجأون لـ (على السكين) للتأكد بأن البطيخة حمراء، كنت أقول إنني أحمق وأنا أطلب من عامل لا أعرفه ولا يعرفني ومن الطبيعي أن يحضر لي البطيخ التي لا تحظى بطلب من المشترين لديه أي (يصرف بضاعته الكاسدة علي)، ومن حينها بدأت أتحسب للحل مع البطيخة البيضاء وكيف سأتصرف بها.
بعد دقائق من وصوله لا أبالغ إن قلت لكم بأنها كانت واحدة من ألذ ماذقت في حياتي، كان طعمها لذيذاً وكان هو قد توصى بي وأخذ من المعروض البارد، أيضاً هنا أسأت الظن بالآخرين وهم أحسنوا الظن بي وانتقوا الأفضل دون سابق معرفة.
كل يوم أحاول وأتمنى أن أتحسن أكثر في هذا الجانب، سيكون ذلك مهماً قبل أن أبلغ الأربعين 🙁 .. لأني لا أتوقع أن أتحسن أكثر بعد هذا السن.