علمتني الحياة: لا تخطط لمستقبلك
أيام قليلة تفصلنا عن 23 يونيو، سيكون عمري 36 عاماً مقترباً من الأربعين المخيفة، أسكن في شقة صغيرة، تزوجت منذ ثلاث سنوات ورزقني الله بابني الذي ملأ حياتي حباً وبهجة.
تعود بي الذاكرة إلى الوراء وتحديداً منتصف العام 2000 بداية التحاقي بعملي الحالي، كيف كنت مدفعاً ومتحمساً للمستقبل بكل ظروفه، السهر المبالغ فيه بالمكتب والخروج مع أشعة الشمس الأولى كان أمراً معتاداً بالنسبة لي، كنت أرغب في تعلم كل شيء بحماس شديد ومبالغ فيه ولربما لأن المجال الذي أعمل فيه هو المجال الذي أحببته وتعلقت به.
في ذلك الوقت كانت تمر أمام عيناي صفحات إلكترونية أو آراء تطالب بأن نرتب لحياتنا أهدافاً واضحة، ونجعل المستقبل ممهداً لتحقيقها، لا أخفيكم بأن ذلك كان يجعلني أردد بيني وبين نفسي هل يجب علي فعل ذلك أم أترك المستقبل للمجهول وخصوصاً وأن الصدفة لعبت كثيراً في تحديد عملي أو تنقلاتي من قسم لآخر .. بل حتى دخولي مقر الجريدة لأول مرة في حياتي كان بمحض الصدفة كنت طالباً في الجامعة ولم أفكر مطلقاً بوظيفة.
الآن وبعد مرور هذه السنوات وبعد تغير رتم الحياة بالزواج ووجود طفل في حياتي، كل الأفكار السابقة تحطمت تماماً وتغيرت 180 درجة، وأحمد الله أن حماسي في ذلك الوقت لم يدفعني لتهور مبالغ فيه أكثر من ذلك ، في الواقع لا ألوم نفسي كثيراً لأني في ذلك الوقت لم أبلغ الثالثة والعشرين من عمري وكان هناك إندفاع وحماس حيث كنت اعتقد بأن روح العمل وحب الإنجاز ستستمر حتى التقاعد، غيبت تماماً فكرة صعوبات العمل وظروف الحياة والتغييرات الفسيولوجية التي يمر بها الإنسان مع تقدمه بالعمر، شئت أم أبيت هناك تغير وتغير بطيء لا تحس به مع تراكم أعباء الحياة ستتغير الكثير من وجهات نظرك خصوصاً من يعيش في مدينة تقصر العمر مليئة بفوضى وعبث مروري وسوء التخطيط.
أختصر نصيحتي وأوجزها بأن الأهم لكل باحث عن وظيفة جديدة بأن يحرص قدر الإمكان على أن تكون الوظيفة صباحية وبنظام واحد وأن تتضمن يوما إجازة، وأن لا يكون بها تواصلاً خارج وقت العمل، بعض الجهات تستنزف الموظف حتى في يوم إجازته وهذه أعتبرها وظيفة “الموت البطيء”.
مهما كانت الصعوبات التي تواجهك أو الضغط الذي قد يمر بك خلال اليوم فأنت تعلم بأنك ستغادر كرسيك عند الثالثة أو الرابعة عصراً، وهذا لا يعني بالطبع عدم الإخلاص أو الابتكار في علمك (هذا موضوع آخر)، لكنني أرى بأن بيئة العمل الصباحية يمكن أن تتضمن الإبداع والإخلاص في العمل والتقدم لمراكز أو مناصب أعلى فيما سيتضمن بقية يومك وقتاً للراحة والأسرة .. والمشاوير اليومية المعتادة بل وحتى مشاهدة التلفزيون مثلاً.
دعني أحدثك يوماً عن العمل لفترتين .. إنه الجحيم .