علمتني الحياة: لا تطيل البقاء في عمل واحد

من المفترض أن أكتب هذه الأسطر عندما أتقاعد، كنوع من الخبرات التي أحكي عنها للقادمين إلى سوق العمل، لكني فضلت أن أطرحها الآن لأنه أمر حدث لي وكان قراراً لم أوفق فيه.

منذ أن خرجت على سوق العمل، عملت في مكان واحد وأحببت بيئته بشكل مبالغ فيه، كنت أعمل فيه على فترتين وبساعات عمل أكثر من المطلوب، ومتابعة شؤونه حتى وأنا خارج المقر، رغم العمل الإعلامي بشكل عام يسحرك ويدخلك في شيء أشبه مايكون بالغفوة أو الإغماءة، وربما ساعدني في ذلك وجود شخصيات قيادية – تاريخية – كانت تزيد هذا الشعور حباً وشغفاً بالدعم المعنوي الكبير وحتى بالدعم المادي.
أكثر من عشر سنوات قضيتها في مكان واحد، صحيح بأني كنت أعشقه وتنقلت فيه بعدة أقسام، لكن وبعد الخروج منه لتجربة عمل أخرى أيقنت أن البقاء طوال تلك السنوات في مكان واحد كان أمراً لا أقول بأنه خاطئ حتى لا أبالغ .. ولكن لم يكن قراراً صحيحاً وسأوجز الأسباب في نقاط :
– روتين: أحياناً الروتين يكون أمر جميل متى ما تم وضعه في قالب تنفيذي محفز وإبداعي، لكن البقاء في عمل واحد لسنوات طويلة يدخلك في روتين الآخرين والقياديين بالذات، فمثلاً هم وصلوا لمرحلة أنه (ممتاز لدينا موقع إلكتروني مميز ويستقطب الزوار وشبكات اجتماعية تحدث بالدقيقة .. يكفينا ذلك)، لأنهم يريدون البقاء في دائرة الروتين ولا يفضلون فتح أفق أخطر وأوسع وأكثر إبداعاً .. لماذا لا يكون لدينا عربة نقل مثلاً .. تنقل الأحداث الكبرى وحتى الحوادث المرورية الكبيرة والحرائق الضخمة مباشرة وبمراسل ميداني .. لا لا نريد .. لماذا ؟ لأن متابعة شؤون هذا الأمر يعني المتابعة اللحظية والدقيقة لكل كلمة وصورة، بعكس العمل الصحفي مراجعة بروفات الصفحات وتوقيعها وإجازتها .. ومن ثم (رح لبيتكم ).
– أسير قرار: في يوم من الأيام قررت الإدارة أن لا تنفذ أي حملة تسويقية .. نعم .. لا يوجد تسويق أبداً والمخصص لهذا الأمر (صفررر ريال) رغم سهولة الفرص المتاحة – في ذلك الوقت – ، رغم أني أعمل واقتها في الإعلام الرقمي لكن لك أن تتخيل بأننا لم ننفذ حملة حتى ولو عبر تويتر، فالخبرات التي كانت لدي في هذا الجانب (0) ، ولذلك لكن أكن أتعلم أو أطور نفسي سوى بتنفيذ حملات تسويقية لحسابات أخرى مع أصدقاء أو لجهات أعمل فيها بشكل جانبي أو استشاري، أما عملي الحالي فالميزانية المخصصة لذلك كبيرة بل هي جزء من العمل اليومي تقريباً والمبالغ التي تدفع جيدة جداً وتساعد في البحث والقراءة وتطوير الذات في هذا الجانب لتحقيق أفضل الأهداف، أما لو بقيت في عملي السابق فلربما أبقى حتى اليوم دون تنفيذ حملة تسويقية رقمية ولو بألف ريال.
– زيادة راتب: لن يزيد راتبك بشكل كبير كما تريد في حال بقائك بمكان واحد، ربما زيادة سنوية بسيطة، أو زيادة تعويضية مقبولة في حال رضى عنك مديرك الكبير وترقيت لمنصب أكبر، لكن كزيادة مفصلية في الغالب لن تحدث، لذلك قبولك لعرض جديد وبراتب أعلى يعني أنك ستقبل بعرض جديد بعده – ربما بسنوات قليلة – وبراتب أعلى .. وهكذا، لذلك أدين بالفضل الكبير لمن ساهم في خروجي من عملي السابق والإلتحاق بعمل جديد ومختلف لأنه ساهم بالفعل في تغيير حياتي المادية.
– تحدي جديد ومختلف: مهما تغيرت الإدارات في عملك، في الغالب أنت ستبقى أسير (ستايل الشركة أو المؤسسة)، القطاع الخاص أو الحكومي تقريباً هو أشبه بفرق كرة القدم، مهما تغير المدربون أو رؤساء النادي تستمر شخصيته دون تغيير، فريق ممتع يلعب كرات سريعة وينافس في كل بطولة ومليء بالنجوم، وفريق آخر غثيث لا يمتع ولا يقدم كرة تعجبك، وفريق ثالث يلف ويدور في نفس مركز الرابع أو الخامس طوال سنوات. هكذا هي الحياة فعلاً، إلا في حضور شخصية قيادية (قيادية فعلاً وهم ندرة) يقلبون المكان رأساً على عقب ويطورون العمل بشكل كبير. لذلك أنت في بقائك سنوات طويلة بنفس المكان يخفف كثيراً من درجة التحدي والإثارة العملية التي لن تجدها إلا في موقع آخر .. طريقة عمل مختلفة، اسلوب تنفيذ بفكر آخر تماماً ، وهذه لها (لذة) خاصة في حياتك العملية خاصة إذا ما ارتبطت بإنجاز .
– غير حياتك: مشوار مختلف، مكاتب مختلفة، زملاء جدد، حتى طعم القهوة يتغير، البقاء في فلك واحد طوال سنوات طوال، يعني بأنك ستعيش في تكرار دائم، ووالله أن نفس (التعليق الساخر) أو كما نقول (الذبة) التي أسمعها من مكتب مجاور استمرت من أول يوم عملت فيه ولربما حتى آخر يوم ..

كلامي أعلاه ليس قاعدة أتبناها، ولكنها وجهة نظر .. لربما أنت تعمل في المكان الحلم أو الذي ترتاح نفسك فيه وتجد فيه كل التحديات التي ترجوها .. والدعم المعنوي الكبير وقبله الفائدة المادية، والدعم بالتطوير بالدورات والدعوات لحضور الأحداث الكبرى والهامة .. والمميزات التي قد لا تجدها في مكان آخر.

3 ردود على “علمتني الحياة: لا تطيل البقاء في عمل واحد”

  1. مازلت اتمنى عمل ثابت يخلي عقلي مرتاح وروحي هادئة… كل سنه في مكان وهذا التنقل مرهق ومخيف ومخيب للأمل ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *