على شاكلة السؤال الذي يقول .. من جاء أولاً الدجاجة أم البيضة، دائماً ما أطرح على نفسي سؤالاً يدور حول مسؤولية النظام أو التنظيم (اختر ماشئت) .. هل هي على الفرد أم الحكومة ؟
في أحايين كثيرة كنت أبحر مع الفريق الذي يحمل الأجهزة الحكومية مسؤولية غياب فكر النظام والتنظيم في مجتمعنا السعودي تحديداً، فلو لم يكن هناك واسطة ولا تجاوز للأنظمة لكان بإمكانك مثلاً أن تجدد بطاقتك الشخصية في ظرف ساعة، بينا لأن المؤسسة الحكومية تغيب مفهوم التنظيم وتكرس أسلوب الواسطة وتجاوز الطوابير لن يلتزم البقية (المنتظمة أصلاً) بالنظام وستحاول إيجاد واسطات وحيل لتجاوز النظام وللأسف بعد مرور فترة نجد أننا أصبحنا نتفنن في إيجاد تلك الأساليب .. ، في المطار قد تبقى لأكثر من نصف ساعة بانتظار تحرك طابور الواقفين لاستلام (البوردينج) ولكن لغياب النظام وتكريس مفهوم الواسطة أيضاً بإمكانك محادثة أصغر موظف في المطار ليحولك إلى شخص في الطرف الآخر لا يوجد أمامه أي مسافر وتنهي إجراءاتك في ظرف دقيقتين ..، مثال ثالث .. أمام إشارات المرور الجميع يقف بانتظام واحترام للإشارة المرورية وفي أحيان كثيرة لوجود رجل أمن يقف بالقرب منها .. ولكن أيضاً لغياب الفكر التنظيمي لدى المرور وتكريس مفهوم المخالفات بالسرعة وقطع الإشارة فقط .. ستجد أن هناك عشرات السيارات التي تتجاوز الصفوف الواقفة وتقوم باستغلال المسار الأيمن المفتوح لراغبي الالتفاف لليمين من خلال سد المسار بانتظار أن يتحول ضوء الإشارة إلى اللون الاخضر .. بل هناك من (يجرم) .. ويتجاوز كل الصفوف بكل وقاحة ودناءة من أقصى اليمين ثم يقف في الصف الأول متجاوزاً خطوط المشاه ومنتهكاً حرمة الوقوف أمام الإشارة ورجل المرور ! ..
في الحالات السابقة أمثلة تقول بأن سوء لجوئنا للنظام والتنظيم يعود لحال المؤسسة الحكومية المتدنية تنظيمياً .. فالأحوال يمكن حلها بطريقة ميسرة وسهلة متى مالتزم الجميع بالأرقام المرتبة دون أي تجاوز والمثال الناجح لدينا في جوازات الرياض المميزة إدارياً من خلال القدرة على تجديد جوازك والانتهاء من المراجعة في ظرف 15 دقيقة وأنا هنا أتحدث من واقع تجربة شخصية، وصالات المطار لو شغلت جميع الأجهزة والمسارات في وقت واحد وقسمت الرحلات بطريقة منظمة طبقاً للعدد المتوقع لما تجاوز كل صف 10 أشخاص (بالكثير) .. ولو كان المرور لدينا حازماً ويقف بصرامة أمام الوقحين في الأمثلة أعلاه لما تجرأ أحدٌ على التلاعب أمام الإشارة المرورية .
لكن .. أيضاً هناك طرفٌ آخر يحمل مسؤولية الفكر التنظيمي للمجتمع السعودي إجمالاً إلى الفرد نفسه وقدرته على الإرتقاء بذاته ومحاولة الإرتقاء بالمجتمع بشكل إجمالي، الشخص المنظم يعرف من الوهلة الأولى .. في قيادته .. في ملبسه .. حتى في طريقة تنظيم سطح جهازه الكمبيوتر، تأمل حال صديقك العبثي كيف يقود السيارة وكيف يتنقل من مسار إلى آخر بطريقة همجية دون أن يستعمل الإشارة المخصصة لذلك .. يقود بلا هوية ولا نظام لأنه يعكس حال نفسه في التفكير والتوجه إجمالاً .. تأمل حاله حينما يدخل أي مكان منتظم .. بنك .. إدارة حكومية .. ستجد أن همه الأول كيف يمكنه أن يتجاوز النظام ويتجاوز ذلك الصف الطويل ، بل ستحرج من وقاحته وهو يدخل مطعم الوجبات السريعة وينادي البائع (محمد .. واحد بيق ماك) .. ضارباً بالواقفين أمامه عرض الحائط ومتجاهلاً أي فكر لتطبيق النظام الذي لن يكلف من وقته سوى دقائق معدودات .
هل سافر أحدكم يوماً من خلال خطوط أجنبية وتأمل الفارق بين حال النظام هنا وهناك ؟ .. لدينا للأسف ومنذ أن تحط الطائرة رحالها على المدرج وقبل أن تتوقف تماماً تجد هؤلاء الهمجيين يفتحون أجهزتهم الجوالة بسرعة رهيبة وكأنهم يترقبون حال الداو جونز أو أسعار البورصة ويخشون أن يتأخرون في معرفة آخر الأخبار ولو ثوان معدودات .. ثم تجدهم يفتحون الحقائب العلوية لإنزال شنطهم (رغم أن الطائرة لم تقف بعد ورغم توسلات الطاقم المضيف) .. والمثير أن هؤلاء كلهم يعلمون بأنهم في النهاية سيبقون في صالة المطار لفترة تصل إلى نصف ساعة بانتظار حقائبهم من العفش .. أي أنهم لن يستفيدوا أي فائدة من هذه السرعة والبعث بقدر ماهم يرسخون مفهوم عدم تطبيقهم للنظام .. هم تربوا على (اللا نظام ) طوال حياتهم.
في رأيي المتواضع أننا لا يمكن أن نتقدم بالمدن الاقتصادية والجامعات وتطوير المناهج بقدر ترسيخنا لمفهوم النظام وتطبيقه وتطويره أيضاً .. وتحميل كل الجهات سواء كحكومة أو أفراد مسؤولية أي إخلال بعملية التنظيم .. وإلا سنظل (مكانك راوح) !