حينما أجلس مع زملاء أو أقارب على مشارف التخرج ، ألمس رغبتهم وحماسهم في تلهفهم لترك مقاعد الدراسة المتعبة – كما يرون – والانتقال لبيئة العمل المستقرة والخالية من الهموم والمصاعب (وقلق الدكاترة)
للأسف هذه من سلبيات التعليم لدينا ، حيث يصور للطالب أن أقسى مايعانيه هي أيام الاختبارات ومواعيد تسليم المشاريع والبحوث ، ولم أتذكر يوما حينما كنت طالباً بأن هناك من صور لي بيئة العمل المستقبلية والأعباء الكبيرة التي لا تقارن بأيام الدراسة الجميلة .
هذا التصور جعل الطالب حينما يتخرج ويعمل يعيش حياة الخمول في سنته الأولى .. فلا يوجد هم اختبار أو بحث أو حرمان من اختبار .. ولا يوجد معدل ينقص ويزيد مما يمنحه فكرا بأن حضوره وخروجه في مواعيد ثابتة والعودة إلى المنزل هو بيئة العمل المثالية .
من قال ذلك .. ومن كرس ذلك المفهوم في أذهان الطلاب ؟ .. لا أقول ذلك على سبيل المبالغة ولكن مهما كانت صعوبة العمل فهم الدوام اليومي لايقارن بأيام الدراسة ، هم الاختبار والبحوث والمشاريع يقابلها هم التقدم والصعود درجات أعلى وهم تقديم الحلول والأفكار الخلاقة ربما بشكل يومي .. ناهيك عن التميز في أداء العمل نفسه سرعة الانجاز مع تميز الأداء .
السنوات الأولى في العمل .. هي فعلا السنوات الأولى في الجامعة ، فلكي تصل في النهاية يجب أن يكون معدلك ( في العمل ) عاليا .. في سنتك الأولى أنظر وكأن الأمر يجبرك على تحقيق معدل 5 من 5 .. حين تحقق هذا المعدل ثق بأنك ستخطف الأضواء والأنظار – خاصة في مجال العمل الخاص وليس الحكومي – دائماً المتميز يذكر اسمه بين الموظفين .. ويتناقل بين المسؤولين الكبار .. حتى ولو جاء أحدهم وهمس في أذنك وقال ( ترى محد جاب خبرك ) .. لا تصدق مثل هذا الكلام .. في بيئة العمل الطبيعية من يحقق هذا المعدل لن تقف سمعته على مؤسسته أو شركته فحسب .. بل سيذكر اسمه لدى المنافسين والقطاعات الأخرى .
تخيل أن تعمل في سنواتك الخمس الأولى ومعدلك وكأنه لا ينقص عن 4 ، هنا سأقولك لك – في بيئة العمل الطبيعية – سيكون انتقالك خطوة للأمام مسألة وقت ليس إلا وربما يحدث ذلك قبل ، وستنهمر عليك العروض من كل صوب .. أكرر أن ذلك ليس مبالغة .. بل هو واقع ملموس .
مهلاً .. لاتعتقد أن الوصول لهذا المعدل ينحصر في مواعيد الحضور والانصراف ..لأتطرق لبعض الأمور :
* التركيز في الأداء : حاول الحضور وفكرك منصب على العمل .. مكالمات الجوال ومواعيد الاستراحات ونقاش المباريات يبعدك عن جو العمل العام .. سرحانك الكثير و ( طق الهواجيس ) .. يعطي انطباع سيئا ولايشعر الآخرين بجديتك .. تحب .. حب برا ياروميو .. العمل للعمل
* الإبداع في الأفكار : مالفرق بينك وبين الموظف أ .. والموظف س ، جميعهم يحضرون ويلتزمون بالوقت ويقومون بعملهم على أكمل وجه .. يقولون فكر خارج الإطار .. أبحث عن أفكار جديدة .. ادرس القطاعات المنافسة .. اجعل الأفكار الجديدة هاجسك كل يوم ..
* المبادرة في العمل : لا تنتظر مديرك ليقول افعل كذا وكذا .. بادر بنفسك ، المدير غالباً يحب الموظف الذي لا ينتظر توجيهاً .. فالمدير عمله ليس مقتصر على (يافلان افعل كذا .. ياعلان قم بكذا ) بل هو من يرسم الفكر والأداء العام .. ويجعل الموظفين يقومون بالعمل ، عثمان العمير رئيس التحرير الخبير .. يقول بأن رئيس التحرير الفاشل هو من يقضي أطول وقت من الساعات في صحيفته .. هذا خطأ .. دوره ليس توجيه فلان وعلان .. هو يرسم الخطوط الرئيسية والفكر العام .. والبقية تبادر وتخلق الأفكار والمواضيع .
* تميز في مظهرك العام : أؤمن تماماً بأن المظهر العام هو وسيلة من وسائل نجاح الموظف ، الثياب النظيفة والمكوية كل يوم .. الشمغ العصرية (وليست شمغ أم بصمة صفر ) ، رائحة عطر خفيفة .. حلاقة شعر الوجه أو تشذيب اللحية .. (تشخيصة رايقة ) .. أسنان نظيفة .. كل تلك الأمور تعطي انطباعاً جميلاً لدى الآخرين وتضيف إلى تميزك .. لا أدري مالذي يمنع الشخص من أخذ دش سريع قبل الذهاب للعمل .. بدلاً من الوصول إلى المواقف ومن ثم (إغلاق أزرار الثوب وارتداء الشماغ المهلهل المرمي في مقعد الكرسي الخلفي !) .. صدقوني أشاهد هذه النماذج كل يوم .. وأزيدكم من الشعر بيتاً .. هناك من يذهب لدوامه ورائحته مليئة برائحة (المعسل والشيشة ) التي تناولها في الليلة السابقة في الاستراحة .. ( ايه الأرف ده )
* الحرص على أداء الإدارة : في النهاية عملك ليس فردياً .. إذا نجحت إدارتك أو قسمك سيشار إليك بالمديح .. لكن مهلاً فثمة موظفين آخرين نجاحهم من نجاحك .. تواصل مع زملائك ولا تبقى (متقوقعاً) في مكتبك أو تشكل (شلللية) مع أفراد آخرين .. دع فكرك مستقل عن البقية ..
* لا تكره الآخرين فيك : أستغرب إصرار بعض الموظفين على أن (يكرهم الآخرون) ، لاسيما الموظفين الجدد .. ، (طق الحنك لساعات) .. كثرة الاستئذان لأسباب تافهة .. التقاعس في الأداء لتبقى المهمة التي تنجز في نصف ساعة تتحول لساعتين .. الحضور بلا اهتمام في اللبس أو المظهر العام .. لا وتبي ترقية بعد انت ووجهك 😦 !!
* اجعل نفسك محبوباً : طبعاً هذه مهمة ليست سهلة لكونها مرتبطة بالشخص وإمكانياته الذاتية ، حبب الآخرين فيك وحاول تحية من تشاهده بابتسامة .. اجعلهم مع مرور الأيام يمرون عليك لإلقاء لتحية لأنك شخص محبوب .. تخيل وأن هناك انتخابات ستجرى في الشركة لتقيس من سيصوت لك ومن سيصوت ضدك .. هذه الأصوات هي سلاحك الفعلي في العمل لأنها الأصوات التي تصل للمسؤولين الكبار .. لو كانت ضدك سيكون حالك صعباً ..
——–
اكتب هذه الأسطر وأنا أعيد مطلع رائعة الست أم كلثوم (من أجل عينيك عشقت الهوى) .. أين ذهب زمن الطرب الجميل .. 😦