هل يدفعون من جيوبهم ؟

 

أكثر الأمور التي تثير حنقي إلى حدود لا آخر لها التعامل مع بعض المسؤولين عن الأمور المادية في بعض القطاعات، يروي لي صديق يعمل في مؤسسة خاصة أرباحها الصافية تتجاوز المئة مليون ريال كل عام أنه يتعامل مع إدارة المؤسسة المالية باسلوب أقرب مايكون لأن يكون متسولاً، يلح في طلبه ويوضح الحاجة الماسة له رغم أن الطلب سخيف جداً وقد لا يتجاوز طابعة كمبيوتر أو شاشة تلفزيون لكنه لا يمكنه أن يتحصل عليه إلا بعد مراحلٍ من الإذلال وكأنه يقدم الطلب لنفسه ولبيته وليس من أجل العمل.

آخر يقول بأن إدارة عمله (ونحن هنا نتحدث في عصر النت والاتصالات) تقتصد كل يوم في استهلاك الانترنت عن اليوم الذي سبقه، الجهة تملك في رصيدها عشرات الملايين وتقدم دورات وانتدابات متعددة بملايين الريالات كل عام لكنها لا تريد أن تدفع لزيادة سرعة الاتصال أو توسيع السعة ويضحك مبتسماً بأن الاستهلاك في هذه الفترة ربط بالوقت أي أن تصفحك للشبكة قد لا يتجاوز ساعة أو ساعتين رغم حاجة العمل الماسة للمراسلات الإلكترونية ، يضحك صاحبي بقوله .. تخيل كل ذلك وكلفة النت بالكاد لا تتجاوز 5% من ميزانية المنشأة لمدة عام، بالمناسبة هم يقتصدون في النت لأجل المال وليس من باب عدم اشغال الموظفين.

يعتقد بعض من يصل للمقاعد القيادية أنه كلما قلل مصروفاته زاد من رصيد نجاحه لدى الإدارة العليا، لا يهمه أن يتطور العمل ولا يفكر بان يقدم أفكار جديدة خلاقة، الأهم أن لا يزيد المصروف ويقاتل بكل ما أوتي به من قوة حتى يقتصد في كل ريال عندما يكون الأمر متعلقاً بالعمل، أما الانتدابات ورحلات الفنادق الفخمة وتذاكر الدرجة الأولى فهي تفتح للآخر ..
من المؤكد أن الكثير حدثت له مثل هذه الصولات والجولات في مراحل التسول لأجل خدمة العمل في النهاية، تقف أمام القيادي الذي يوحي لك وكأنه يدفع من جيبه الخاص رغم أن الأمر لا يحتاج سوى توقيع منه، طبعاً أنا هنا لا أقول بأنه يجب أن يوقع بلا تفكير .. لكن أن تمنح الصلاحية بيد شخص واحد يحدد ربما مستقبل المنشاة بأكملها أمر غير منطقي إطلاقاً.

لا أود أن أضرب أمثلة لكني أقارن ما يحصل لدينا بما يحصل في الغرب، أحد الأصدقاء كان يسألني على إثر نقاشنا لفيلم (الشبكة الاجتماعية) كيف أن تحصل على تمويل من هنا وهناك، بل أن (جوجل) الشركة العملاقة بدأت بـ(سلفة) وتمويل بعض الأشخاص الذين دفعوا مبالغ كبيرة لطلاب يجرون بحثاً (أعتقد أن أول شخص منحهم 100 ألف دولار)، كان صاحبي يسألني عن عدم وجود مثل هذه الأشياء لدينا، السبب ببساطة أن القياديين في معظم منشآتنا لا توجد لديهم أي نظرة مستقبلية ذات مدى بعيد .. الكل يبحث عن مصلحته الوقتية أصبحوا بالضبط مثل رئيس ناد رياضي يريد أن يترأس النادي ويحرز بطولة في نفس العام لإنجاز في نفسه .. أما مستقبل الفريق والنادي والمنشآت واللاعبون النشء .. طز .

تأمل مثلاً الصحف السعودية الورقية التي يعلم معظم قادتها بأن مستقبلها الورقي في طريقه لغياهب النسيان بعد سنين، تأمل كم جريدة بدأت في الانتقال الكترونيا .. تخيل أن بعض الصحف لم تنشئ إدارات تقنية حتى يومنا هذا بل وبعضها لم يفكر في ذلك التوجه مطلقاً .. فقط يكفيهم وجود موقع الكتروني حتى يقال – من باب الاستعراض – زوروا موقعنا على الانترنت.

إحدى أكبر المشاكل التي تواجه قطاعاتنا الحكومية والخاصة أن الانتقال للدرجات العليا والقيادية الكبرى أصبح مرتبط غالباً – بالعمر – وإن كنت لا ألوم القطاع الحكومي لارتباطه بسياسة وزارة ودولة، ألوم وبشدة القطاع الخاص الذي بيده أن يجعل شاباً في الثلاثين مديراً عاماً أو أي مسمى .. الأهم أن يكون بيده سلطة وقرار، وإعادة التفكير بما يسمي بترشيد المصروفات بما يتناسب مع توجه العمل، ولا يربط بمدير مالي إن رضى عن أحد دفعه للأمام وإن غضب عليه بقي شوكة في حلقه.