مجتمع يسرق الأموال والفرص

 

إذا أزحنا تصانيف الأديان والمذاهب جانباً، وقسمنا العالم طبقاً لمفهوم (الضمير الداخلي للانسان) لكنا بلا جدال في قائمة الترتيب .. من الأسفل طبعاً ، لا أبالغ كثيراً حينما أتأمل من حولي لأجد أن الغالبية منهم يسرقون الأموال والفرص، وكثيرٌ منهم يسرق عياناً بياناً أمام الملأ..الفرق بأنه لم يسرق من بيت أو بنك بل يسرق من منشاة حكومية أو خاصة.
في المنشأة الخاصة التي أعمل بها شرطاً في العقد يمنع العمل في أي منشأة أخرى وأنه إذا ثبت أن الموظف يعمل في جهة أخرى يعتبر العقد معه لاغياً بشكل مباشر ،غني عن القول بأن هناك العشرات من الموظفين الذين يعملون في المنشأة ويملكون أعمال حكومية أخرى تتيح لهم التسيب والحضور والغياب متى شاؤوا .. ويستلمون في النهاية مرتبين نتيجة ضعف إداري في المنشأتين (الخاصة والحكومية)، حادثة أخرى .. حينما كنت أدرس في الجامعة وبالكاد كانت المكافأة تكفي المتطلبات الشهرية .. كنت ألحظ زملاء (قرويين) جاؤوا من قرى صغيرة خارج الرياض ولفت نظري معدل صرفهم الشهري الكبير قياساً بمستواهم الاجتماعي والمعيشي، اكتشفت لاحقاً أن الكثير منهم كان يسجل اسمه في وظائف حكومية في بلدته الصغيرة ونظراً لغياب الرقيب كانت الرواتب تصرف لهم بشكل أساسي، أحدهم كان مسجل في ثلاث وظائف (في قطاع المجاهدين – مؤذن مسجد – مدرب تنس طاولة في نادي القرية) وجميعها يصرف فيها مكافآت لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال شهرياً، حالة أخرى .. قريب يعمل في وزارة (كبرى) يصرف له الانتداب الخارجي بواقع لا يقل عن 1000 ريال يومياً بينما هو لم يسافر وينام حتى الظهر في بيته، هو مسجل لدى إدارة عمله بأنه منتدب ويشارك في مؤتمر .. الخ !
هل أعطيكم مزيداً من الأمثلة ؟ يذكر لي صديق (قريب جدا) أن موظفاً جاء إلى إدارة كبرى في منشأته وبدأ في فتح مجال التوظيف بشكل كبير خلال فترة قصيرة، تجاوز عدد الموظفين الجدد عشرة موظفين .. ستة منهم يرتبطون بقرابة مباشرة مع المدير الجديد .. وقرابة من الدرجة الأولى أيضاً !

هذه الأمثلة الا تعد سرقة ؟ ألا تعد (مال حرام) ؟ .. طبعا ماذكرته هو مجرد أمثلة قليلة، هناك المئات من الأمثلة التي لا أول لها ولا آخر تجعل مجرد التأمل في مجتمع كهذا تجعلك تنظر بنظرة مليئة بالتشاؤم .. والحقد أيضاً، كيف يفكر هؤلاء وكيف يهنأون بالعيش في سلام، كثير من الناس تعتمد على الفعل الخارجي مثل صاحبنا في العمل الذي يعد أحد أكثر الشخصيات التي تملك علاقات نسائية وسفرات إلى أماكن معينة (خارج الخليج) لكنه هو أكثر من ينادي وقت الصلاة (صلاة صلاة ! ) ، أتأمله دائماً وأقول في نفسي هذا الرجل يجسد بالفعل واقع مجتمعنا بكل ماتحمله الكلمة من معنى، تذكرني أيضاً بالشخص الذي يقدم خمسون ريال لمدعي التسول أمام إشارة المرور بينما هو يقود سيارة صرفت له من جهة عمله للتنقلات التي يستدعيها العمل وليس العائلة، تذكرني بصديقي الذي تمتلئ سيارته ببطاقات البنزين المجانية التي يهديها له والده الذي تقدم له جهة عمله الكوبونات المجانية (لزوم العمل) لكنه يصرفها على ابنائه .. أقول تخيلوا صديقي هذا وهو يعتذر مني عدم تشغيل راديو السيارة بحجة أن (الأغاني حرام) في نفس الوقت الذي يقدم للعامل الكوبون المجاني للبنزين ، تذكرني بالكاتب الذي يدعو للقيم الاسلامية و**** الراقية وحينما بلغ أعلى المناصب بدأ بالمشاركة في ترسية المشاريع الواحدة تلو الأخرى على شركات يملك فيها أسهماً .

في سنوات سابقة وخاصة في فترة المراهقة كنت أحلم بأن أكون شخصاً ثرياً يحقق أحلامه نهار اليوم التالي، ولكني اليوم أملك يقيناً بأن كثير من الأثرياء يصنفون من الفئة (أعلاه) إلا من رحم ربي، لذلك أقول تباً للثروة وتباً للملايين إن كانت ستحيلني لأشخاص مثل هؤلاء !

ملاحظة (طايح في الملاحظات وش رايكم 🙂 : أكتب هذه التدوينة ودرجة حرارتي تقترب من الأربعين .. لذلك أعلن عن أني غير مسؤول عن أي كلمة وردت أعلاه !

– من زمان الطرب الجميل : http://www.youtube.com/watch?v=7u4UAwZcbO8&feature=related